تورط محمد زيان في جرائم الفساد المالي..
إطوال بريس:
أنهت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط المكلفة بالتحقيق في قضايا الأموال، أول أمس الأربعاء، إجراءات البحث التمهيدي في الاختلاسات المالية وتبديد أموال الدعم الانتخابي المنسوبة إلى محمد زيان، النقيب والوزير الأسبق المعتقل حاليا بالسجن المحلي بتيفلت على ذمة العديد من القضايا الإجرامية.
وكشف البحث المنجز في هذه القضية تورط محمد زيان وأمين المال السابق للحزب المغربي الحر وبعض المسيرين السابقين في جرائم الفساد المالي؛ بما فيها اختلاس أموال عمومية والمشاركة وتبديد أموال الدعم الانتخابي والغدر وتحصيل أموال غير مستحقة.
وقد قررت النيابة العامة المكلفة بجرائم الأموال متابعة محمد زيان وأمين المال السابق في حالة اعتقال، لخطورة وثبوتية الجرائم المنسوبة إليهما؛ بينما أحالت باقي المسيرين على هيئة المحكمة في حالة سراح، للنظر في مختلف الجرائم المالية المرتكبة.
مراجعات مالية تكشف جرائم فساد مالي
طالبت وزارة الداخلية العديد من الأحزاب السياسية بإرجاع مبالغ مالية من أموال الدعم الانتخابي برسم الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2015؛ وهي الطلبات التي استجابت لها جميع التمثيليات الحزبية، باستثناء محمد زيان بصفته الأمين العام السابق للحزب الوطني الحر.
وتشير وثائق هذا الملف إلى أن زيان لم يستجب لجميع الإشعارات التي توصل بها بين سنتي 2016 و2018، ورفض إرجاع المبالغ غير المستحقة إلى ميزانية الدولة، كما تعذر عليه إثبات أوجه صرف أكثر من مليون درهم؛ وهي الأفعال التي تنطوي على شبهات جرائم الفساد المالي.
وكانت النقطة التي أفاضت الكأس هي شكاية الأمين العام الحالي للحزب، الذي توصل بصفته الحزبية الجديدة بإشعار من أجل إرجاع المبلغ المستحق لميزانية الدولة؛ وهو ما دفعه إلى تقديم شكاية يتهم فيها سلفه محمد زيان بتبديد المبلغ المستحق وصرفه في غير وجهته القانونية المحددة في تدبير الحملة الانتخابية.
ووفق مصادر قريبة من التحقيق، فإن جميع الوثائق والمستندات التي كان قد تقدم بها محمد زيان تم رفضها من قبل المجلس الأعلى للحسابات خلال مراجعته الاعتيادية لأوجه صرف الدعم المالي الانتخابي الأحزاب، بسبب العديد من الخروقات المسطرية والإخلالات المالية؛ بما في ذلك عدم التأشير على الوثائق المقدمة من قبل محاسب معتمد، وأن الصفقات وأوامر الطلبات المنجزة كانت تتم جميعها بمنطق المحاباة ودون مراعاة ضوابط صرف المال العام المملوك للمواطن المغربي.
محمد زيان.. سرقة واختلاس وتبديد أموال الشعب
كشفت الأبحاث القضائية والمراجعات المالية المنجزة في هذه القضية أن محمدا زيان حوّل الحزب المغربي الحر إلى ملكية خاصة تدر أموالا غير مستحقة له ولأفراد من أسرته؛ بل إن تقنيات التحقيق الجنائي أظهرت أن زيان قام بتحويل مبالغ مالية كبيرة من ميزانية الحزب، الآتية من الملك العام، إلى الحسابات الشخصية لبعض أبنائه ولسائقه الخاص.
كما كشفت التحويلات المالية أن أحد أبناء محمد زيان استفاد من مبلغ مالي يناهز 25 مليون سنتيم عبر شركة مختصة في التواصل، دون أين يقدم أي دليل حول نوعية الخدمات التي قدمها للحزب المغربي الحر، علما بأن طريق إسناد هذه الخدمة نفسها تمت خارج الضوابط القانونية المنظمة للصفقات العمومية. كما ثم كذلك رصد تحويل مالي يظهر استفادة نفس ابن محمد زيان من مبلغ مالي من مالية الحزب لحسابه الشخصي قدره 50 ألف درهم؛ وهي الاستفادة التي توثق شبهة الاختلاس وتؤكد صرف المال العام لخدمة أغراض شخصية تتعلق بأسرة محمد زيان.
وفي سياق متصل، أظهرت المراجعات المالية كذلك استفادة ابن آخر لمحمد زيان من تحويل مالي من ميزانية الحزب قدره ثلاثة ملايين سنتيم عبر شركة أخرى مختصة في التواصل، دون تبرير أية خدمة مقدمة للحزب؛ وهو ما اعتبرته النيابة العامة شبهة صرف أموال عامة في خدمات صورية ووهمية، استفاد منها بشكل غير مستحق أحد أبناء محمد زيان.
كما كشفت الأبحاث والمراجعات المالية نفسها تورط أحد المسيرين السابقين للحزب في سحب مجموعة من المبالغ المالية نقدا من حسابات الحزب عبر آلية mise à disposition، التي كان زيان يقوم بتوقيعها، بدعوى أنها مبالغ تصرف لفائدة المتطوعين في الحملة الانتخابية؛ لكن دون تقديم أي وثيقة محاسباتية تبرر صرف هذه المبالغ.
أما نائب أمين المال المتابع بدوره في حالة اعتقال في هذه القضية إلى جانب محمد زيان، والذي يعد أمين المال الفعلي للحزب، فقد كشفت إجراءات التحقيق استفادته من مبلغ مالي يناهز 70 مليون سنتيم عبر مطبعة شخصية كان يملكها بضواحي الرباط، بدعوى أنها مصاريف طبع وثائق ومنشورات الحزب، دون إثبات المطبوعات المفترضة المنجزة، مع العلم أن هذه المطبعة تقاسم ملكيتها خلال سنة 2018 كل من محمد زيان ونائب أمين المال المشتبه فيه.
فأمين المال الفعلي للحزب، توضح التحقيقات، استفاد من تحويلات حزبية لمطبعة شخصية كان يملكها رفقة محمد زيان، كما استفاد هو نفسه من تحويلات مالية لحسابه الشخصي من مالية الحزب، في خرق واضح لقانون الأحزاب السياسية.
والمثير في هذه القضية هو أن التحقيقات الجنائية والمالية ذهبت إلى حد تطويق عنق السائق الشخصي لمحمد زيان، الذي تبين أنه استفاد من تحويل مالي في حسابه الشخصي قدره 50 ألف درهم؛ على الرغم من أن لا علاقة له بالحزب، وليس له أي صفة تنظيمية، ولم يقدم نهائيا أية خدمة يستحق عليها هذا المبلغ المصروف من المال العام.
محمد زيان.. ومبدأ عدم الإفلات من العقاب
يبدو أن الدولة عازمة على توطيد مبدأ عدم الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويشكل محمد زيان حلقة جديدة في سياق إرادة الدولة في القطع مع جرائم الفساد المالي، بعدما طبقت المبدأ نفسه مع العديد من الشخصيات الحزبية والسياسية؛ بمن فيهم الوزير الأسبق محمد مبدع، ورئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، والبرلماني رشيد الفايق، وسعيد الناصيري وغيرهم.
فعندما قررت مجموعة العمل المالي (GAFI)، بإجماع أعضائها، خروج المملكة المغربية من مسلسل المتابعة المعززة، أو ما يعرف بــ”اللائحة الرمادية”، لم يكن ذلك وليد الصدفة أو المحاباة، وإنما نتيجة تقييم دقيق لمسار ملاءمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وجرائم الفساد، وبسبب كذلك المتابعات القضائية الرامية لمنع الإفلات من العقاب من طرف جميع المتورطين في جرائم الأموال، بمن فيهم محمد زيان.
ومن المفارقات الغريبة والمستهجنة أن هناك من خرج، بدون خجل، ليدافع عن “حق محمد زيان في سرقة واختلاس أموال الشعب المغربي وضخها في حسابات أسرته”؛ بل هناك من اعتبر بكثير من الشعبوية أن “تحريك المتابعة في حق محمد زيان غير مبررة بدعوى أن هذا الأخير لديه كامل الحق في منح المال العام لأبنائه ولسائقه الخاص”!